زاهر ڤويس .. حين يلتقي الذكاء بالضمير ميكافيلي ولوثر كينغ الأول صادق العقل، والثاني مخلص للقلب في كل عصر، يولد من لا يشبه عصره، من يرى ما بعد الجدران، وما خلف السحب، وما تحت قشرة المجتمع. رجل لا تستهويه النماذج الجاهزة، ولا يقنعه الواقع كما هو. اثنان من هؤلاء غيّرا التاريخ، كلٌ بطريقته: نيكولو ميكافيلي ومارتن لوثر كينغ الابن. أحدهما كتب للحُكّام، والآخر نادى للناس. أحدهما نظّر للسلطة، والآخر ضحّى من أجل العدالة. لكنهما اشتركا في شيء جوهري: كلاهما كان سابقًا لعصره. ميكافيلي .. عقل بارد في دهاليز السياسة في زمن الملوك والمكائد، وقف ميكافيلي ليقول الحقيقة كما هي: الناس لا يسيرون بالفضيلة فقط، بل بالخوف والطمع والمصلحة. والحاكم، إن أراد البقاء، عليه أن يكون مرنًا كالثعلب، ومهيبًا كالأسد. في كتابه "الأمير"، لم يكتب وصفة للعدالة، بل كُتيّب بقاء في غابة السلطة. أشاد بالخداع إن كان وسيلة للبقاء، ورأى أن التدين أداة سياسية لا أكثر. لم يكن يُروّج للشر، لكنه لم يُنكره إن خدم الاستقرار....
زاهر ڤويس .. الوعي الذي لا يكتمل كلما قرأت أكثر، شعرت أنّني أعرف أقل، وكأنّ المعرفة ليست طريقًا إلى الضوء، بل سلسلة من نوافذ تُطل على ظلالٍ جديدة. يقول الناس: “أنت مثقف”، فأبتسم في صمتٍ لا ينفي ولا يقرّ، لأنّ المثقف في نظري ليس من وصل، بل من ظلّ يسير رغم اتساع المسافة. أرى نفسي على عتبة بعيدة من الفهم، لكنها تشتعل فيّ كجمرة لا تنطفئ، تذكّرني بأنّ الاكتمال موت، وأنّ النقصان حياة. فكلّ خطوة نحو المعرفة ليست اقترابًا من النهاية، بل بدايات أخرى لا تُحصى؛ كأنّ الوعي وعدٌ لا يُوفى، وسرٌّ لا يُكشف، بل يُسكنك ليبقيك في حالة سعيٍ دائم إلى ما لن يُدرك تمامًا. مقياس الثقافة كثيرون يظنون أن الثقافة تُقاس بالمقارنة مع الآخرين؛ فيبحث المرء عن جاهلٍ يبدو أمامه واسع المعرفة، أو عن عالمٍ يشعر أمامه بالصِغَر. لكن تلك المقارنات لا تكشف سوى الغرور أو العجز، ولا تقول شيئًا عن عمق الوعي نفسه. المقياس الحقيقي لا يكون بينك وبين الناس، بل بينك وبين العلم الذي أمامك، بين ما تعرفه وما لا تعرفه بعد. فالثقافة لا تُقاس بالمسافة...